فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال أبو سعيد: هم خمس وعشرون قبيلة من وراء يأجوج ومأجوج لا يموت الرجل من هؤلاء ومن يأجوج ومأجوج حتى يخرج من صلبه ألف رجل، ذكره القشيري.
وقال عبد الله بن مسعود: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج، فقال عليه الصلاة والسلام: «يأجوج ومأجوج أمتان كل أمة أربعمائة ألف أمة كل أمة لا يعلم عددها إلا الله لا يموت الرجل منهم حتى يولد له ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح» قيل: يا رسول الله صفهم لنا. قال: «هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأَرْز شجر بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع وصنف عرضه وطوله سواء نحوًا من الذراع وصنف يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ويأكلون من مات منهم مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار الشرق وبحيرة طبرية فيمنعهم الله من مكة والمدينة وبيت المقدس» وقال علي رضي الله تعالى عنه: وصنف منهم في طول شبر، لهم مخالب وأنياب السباع، وتداعي الحمام، وتسافد البهائم، وعواء الذئاب، وشعور تقيهم الحرّ والبرد، وآذان عظام إحداها وبرة يشتون فيها، والأخرى جلدة يصيفون فيها، يحفرون السدّ حتى كادوا ينقبونه فيعيده الله كما كان، حتى يقولوا: ننقبه غدًا إن شاء الله تعالى فينقبونه ويخرجون، ويتحصن الناس بالحصون، فيرمون إلى السماء فيرد السهم عليهم ملطخًا بالدم، ثم يهلكهم الله تعالى بالنغف في رقابهم.
ذكره الغزنوي.
وقال عليّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يأجوج أمة لها أربعمائة أمير وكذا مأجوج لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده».
قلت: وقد جاء مرفوعًا من حديث أبي هريرة، خرجه ابن ماجه في السنن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن يأجوج ومأجوج يحفران كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدًا فيعيده الله أشدّ ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال: ارجعوا فستحفرونه غدًا إن شاء الله تعالى فاستثنوا فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فيَنْشِفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فيرجع عليها الدمُ الذي أحفظ فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله تعالى عليهم نغَفًَا في أقفائهم فيقتلهم بها» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتَشْكَر شَكرًا من لحومهم» قال الجوهري: شَكِرت الناقةُ تَشكَر شَكَرًا فهي شكِرة؛ وأشكر الضرع امتلأ لبنًا.
وقال وهب بن منبه: رآهم ذو القرنين، وطول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا، لهم مخاليب في مواضع الأظفار وأضراس وأنياب كالسباع، وأحناك كأحناك الإبل، وهم هُلْبٌ عليهم من الشعر ما يواريهم، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان، يلتحف إحداهما ويفترش الأخرى، وكل واحد منهم قد عرف أجله لا يموت حتى يخرج له من صلبه ألف رجل إن كان ذكرًا، ومن رحمها ألف أنثى إن كانت أنثى.
وقال السدي والضحاك: الترك شرذمة من يأجوج ومأجوج خرجت تغير، فجاء ذو القرنين فضرب السدّ فبقيت في هذا الجانب.
قال السُّدي: بُني السدّ على إحدى وعشرين قبيلة، وبقيت منهم قبيلة واحدة دون السدّ فهم التّرك.
وقاله قتادة.
قلت: وإذا كان هذا، فقد نعت النبي صلى الله عليه وسلم الترك كما نعت يأجوج ومأجوج، فقال عليه الصلاة والسلام: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون التّرك قومًا وجوههم كالمجانِّ المُطْرَقَة يلبَسون الشّعر ويمشون في الشّعر» في رواية «ينتعلون الشّعر» أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما.
ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم عددهم وكثرتهم وحِدَّة شوكتهم قال عليه الصلاة والسلام: «اتركوا الترك ما تركوكم» وقد خرج منهم في هذا الوقت أمم لا يحصيهم إلا الله تعالى، ولا يردهم عن المسلمين إلا الله تعالى، حتى كأنهم يأجوج ومأجوج أو مقدمتهم.
وروى أبو داود عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له دجلة يكون عليه جسر يكثر أهلها وتكون من أمصار المهاجرين قال ابن يحيى قال أبو معمر- وتكون من أمصار المسلمين- فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شاطىء النهر فيتفرق أهلها ثلاث فرق فرقة يأخذون أذناب البقر والبرية وهلكوا وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشهداء» الغائط المطمئن من الأرض.
والبصرة الحجارة الرخوة وبها سميت البصرة.
وبنو قنطوراء هم الترك.
يقال: إن قنطوراء اسم جارية كانت لإبراهيم صلوات الله وسلامه عليه، ولدت له أولادًا جاء من نسلهم الترك.
قوله تعالى: {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} فيه مسألتان:
الأولى:
قوله تعالى: {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} استفهام على جهة حسن الأدب.
{خَرْجًا} أي جعلا، وقرئ: {خراجا} والخرج أخص من الخراج، يقال: أَدِّ خَرْج رأسك وخَرَاج مدينتك.
وقال الأزهري: الخراج يقع على الضريبة، ويقع على مال الفيء، ويقع على الجزية، وعلى الغلة.
والخراج اسم لما يخرج من الفرائض في الأموال، والخرج: المصدر.
وقوله تعالى: {على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} أي ردمًا؛ والردم ما جعل بعضه على بعض حتى يتصل.
وثوب مردم أي مرقع، قاله الهروي، يقال: ردمت الثلمة أردِمها بالكسر ردمًا أي سددتها.
والردم أيضًا الاسم وهو السدّ.
وقيل: الردم أبلغ من السدّ إذ السدّ كل ما يسدّ به، والردم وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحوه حتى يقوم من ذلك حجاب منيع، ومنه ردم ثوبه إذا رقعه برقاع متكاثفة بعضها فوق بعض.
ومنه قول عنترة:
هل غادر الشعراء من مُتَرَدَّمِ ** أي من قول يُركَّب بعضه على بعض

وقرئ: {سَدَّا} بالفتح في السين؛ فقال الخليل وسيبويه: الضم هو الاسم والفتح المصدر.
وقال الكسائي: الفتح والضم لغتان بمعنى واحد.
وقال عكرمة وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة: ما كان من خلقة الله لم يشارك فيه أحد بعمل فهو بالضم، وما كان من صنع البشر فهو بالفتح.
ويلزم أهل هذه المقالة أن يقرؤوا {سَدًّا} بالفتح، وقبله {بين السُّدَّيْنِ} بالضم، وهي قراءة حمزة والكسائي.
وقال أبو حاتم عن ابن عباس وعكرمة عكس ما قال أبو عبيدة.
وقال ابن أبي إسحاق: ما رأته عيناك فهو سُد بالضم، وما لا ترى فهو سَدّ بالفتح.
الثانية: في هذه الآية دليل على اتخاذ السجون، وحبس أهل الفساد فيها، ومنعهم من التصرف لما يريدونه، ولا يتركون وما هم عليه، بل يوجعون ضربًا ويحبسون أو يكفلون ويطلقون كما فعل عمر رضي الله عنه.
قوله تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} المعنى قال لهم ذو القرنين: ما بسطه الله تعالى لي من القدرة والملك خير من خرجكم وأموالكم ولكن أعينوني بقوّة الأبدان؛ أي برجال وعمل منكم بالأبدان، والآلة التي أبني بها الردم وهو السدّ.
وهذا تأييد من الله تعالى لذي القرنين في هذه المحاورة؛ فإن القوم لو جمعوا له خرجًا لم يعنه أحد ولوكلوه إلى البنيان، ومعونته بأنفسهم أجمل به وأسرع في انقضاء هذا العمل، وربما أربى ما ذكروه له على الخرج.
وقرأ ابن كثير وحده {مَا مَكَّنَنِي} بنونين.
وقرأ الباقون: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي}.
الثانية: في هذه الآية دليل على أن الملِك فرض عليه أن يقوم بحماية الخلق في حفظ بيضتهم، وسدّ فرجتهم، وإصلاح ثغورهم، من أموالهم التي تفيء عليهم، وحقوقهم التي تجمعها خزانتهم تحت يده ونظره، حتى لو أكلتها الحقوق، وأنفذتها المؤن، لكان عليهم جبر ذلك من أموالهم، وعليه حسن النظر لهم؛ وذلك بثلاثة شروط: الأول: ألا يستأثر عليهم بشيء.
الثاني: أن يبدأ بأهل الحاجة فيعينهم.
الثالث: أن يسوّي في العطاء بينهم على قدر منازلهم، فإذا فنيت بعد هذا وبقيت صفرًا فأطلعت الحوادث أمرًا بذلوا أنفسهم قبل أموالهم، فإن لم يغن ذلك فأموالهم تؤخذ منهم على تقدير، وتُصْرَف بتدبير؛ فهذا ذو القرنين لما عرضوا عليه المال في أن يكفّ عنهم ما يحذرونه من عادية يأجوج ومأجوج؛ قال: لست أحتاج إليه وإنما أحتاج إليكم {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} أي اخدموا بأنفسكم معي، فإن الأموال عندي والرجال عندكم، ورأى أن الأموال لا تغني عنهم، فإنه إن أخذها أجرة نقص ذلك مما يحتاج إليه، فيعود بالأجر عليهم، فكان التطوّع بخدمة الأبدان أولى.
وضابط الأمر أنه لا يحل مال أحد إلا لضرورة تعرض، فيؤخذ ذلك المال جهرًا لا سرًا، وينفق بالعدل لا بالاستئثار، وبرأي الجماعة لا بالاستبداد بالأمر.
والله تعالى الموفق للصواب. اهـ.

.قال أبو السعود:

{حتى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ}.
بين الجبلين الذين سُدّ ما بينهما وهو منقطَعُ أرضِ الترك مما يلي المشرِق، لا جبلا أرمينيةَ وأَذَرْبيجان كما توهم، وقرئ بالضم، قيل: ما كان من خلق الله تعالى فهو مضموم وما كان من عمل الخلق فهو مفتوح، وانتصاب بين على المفعولية لأنه مبلوغ وهو من الظروف التي تستعمل أسماءً أيضًا كما ارتفع في قوله تعالى: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} وانجرّ في قوله تعالى: {هذا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ} {وَجَدَ مِن دُونِهِمَا} أي من ورائهما مجاوزًا عنهما {قَوْمًا} أي أمة من الناس {لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} لغرابة لغتِهم وقلة فِطنتِهم، وقرئ من باب الإفعال أي لا يُفهمون السامعَ كلامَهم، واختلفوا في أنهم من أي الأقوام، فقال الضحاك: هم جيلٌ من الترك، وقال السدي: التّركُ سريةٌ من يأجوجَ ومأجوجَ، خرجت فضرب ذو القرنين السدّ فبقيت خارجَه فجميعُ الترك منهم، وعن قتادة: أنهم اثنتان وعشرون قبيلة سدّ ذو القرنين على إحدى وعشرين قبيلةً منهم وبقيت واحدة فسُمّوا التركَ لأنهم تركوا خارجين.
قال أهل التاريخ: أولادُ نوح عليه السلام ثلاثةٌ: سامٌ وحامٌ ويافثُ، فسامٌ أبو العرب والعجمِ والروم، وحامٌ أبو الحبشةِ والزَّنج والنُّوبة، ويافثُ أبو الترك والخَزَر والصقالبة ويأجوجَ ومأجوج.
{قَالُواْ} أي بواسطة مترجمِهم أو بالذات على أن يكون فهمُ ذي القرنين كلامَهم وإفهامُ كلامِه إياهم من جملة ما آتاه الله تعالى من الأسباب {ياذا القرنين إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ} قد ذكرنا أنهما من أولاد يافثَ بنِ نوحٍ عليه السلام، وقيل: يأجوجُ من الترك ومأجوجُ من الجيل، واختلف في صفاتهم فقيل: في غاية صِغرِ الجُثة وقِصَر القامة لا يزيد قدُّهم على شبر واحد، وقيل: في نهاية عِظَم الجسم وطولِ القامة تبلغ قدُودهم نحوَ مِائةٍ وعشرين ذراعًا وفيهم من عَرضُه كذلك، وقيل: لهم مخالبُ وأضراسٌ كالسباع وهما اسمانِ أعجميان بدليل منْع الصرفِ، وقيل: عربيان من أجّ الظليمُ إذا أسرع وأصلهما الهمزة كما قرأ عاصم، وقد قرئ بغير همزةٍ ومُنع صرفُهما للتعريف والتأنيث {مُفْسِدُونَ في الأرض} أي في أرضنا بالقتل والتخريب وإتلافِ الزروع، وقيل: كانوا يخرُجون أيام الربيع فلا يتركون أخضرَ إلا أكلوه ولا يابسًا إلا احتملوه، وقيل: كانوا يأكلون الناسَ أيضًا {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} أي جُعْلًا من أموالنا، والفاء لتفريع العَرض على إفسادهم في الأرض، وقرئ: {خَراجا} وكلاهما واحد كالنَّول والنوال، وقيل: الخراجُ ما على الأرض والذمة والخَرْجُ المصدر، وقيل: الخرج ما كان على كل رأس والخراجُ ما كان على البلد، وقيل: الخرجُ ما تبرعْتَ به والخراج ما لزِمك أداؤُه {على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا} وقرئ بالضم.
{قَالَ مَا مَكَّنّى} بالإدغام وقرئ بالفك، أي ما مكّنني {فِيهِ رَبّى} وجعلني فيه مكينًا وقادرًا من المُلك والمال وسائرِ الأسباب {خَيْرٌ} أي مما تريدون أن تبذُلوه إليّ من الخَرْج فلا حاجة بي إليه {فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ} أي بفَعَلة وصُنّاع يُحسنون البناءَ والعمل وبآلات لابد منها من البناء، والفاءُ لتفريع الأمر بالإعانة على خيرية ما مكّنه الله تعالى فيه من مالهم أو على عدم قَبولِ خَرْجهم {أَجَعَلَ} جواب للأمر {بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ} تقديمُ إضافةِ الظرف إلى ضمير المخاطبين على إضافته إلى ضمير يأجوج ومأجوج، لإظهار كمالِ العناية بمصالحهم كما راعَوْه في قولهم: بيننا وبينهم {رَدْمًا} أي حاجزًا حصينًا وبرزخًا متينًا وهو أكبرُ من السدّ وأوثقُ، يقال: ثوبٌ مُرَدّم أي فيه رِقاع فوق رِقاعٍ وهذا إسعافٌ بمرامهم فوق ما يرجونه. اهـ.

.قال الألوسي:

{حتى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} أي الجبلين، قال في القاموس: السد الجبل والحاجز؛ وإطلاق السد عليه لأنه سد فجا من الأرض، وقيل: إطلاق ذلك عليه هنا لعلاقة المجاورة وليس بذاك، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب بضم السين، والمعنى على ما قال الكسائي واحد، وقال الخليل وسيبويه: السد بالضم الاسم وبالفتح المصدر، وقال ابن أبي إسحاق: الأول ما رأيته عيناك والثاني ما لا تريانه، وقال عكرمة وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة؛ الأول ما كان من خلق الله تعالى لا دخل لصنع البشر فيه والثاني ما كان لصنع البشر دخل فيه، ووجه دلالة المضموم على ذلك أنه بمعنى مفعول ولكونه لم يذكر فاعله فيه دلالة على تعين وعدم ذهاب الوهم إلى غيره فيقتضي أنه هو الله تعالى، وأما دلالة المفتوح على أنه من عمل العباد فللاعتبار بدلاله الحدوث وتصوير أنه ها هو ذا يفعله فليشاهد، وهذا يناسب ما فيه مدخل العباد على أنه يكفي فيه فوات ذلك التفخيم، وأنت تعلم أن القراءة بهما ظاهرة في توافقهما وعدم ذكر الفاعل والحدوث أمران مشتركان، وعكس بعضهم فقال: المفتوح ما كان من خلقه تعالى إذ المصدر لم يذكر فاعله والمضموم ما كان بعمل العباد لأنه بمعنى مفعول والمتبادر منه ما فعله العباد وضعفه ظاهر، وانتصاب {بَيْنَ} على المفعولية لأنه مبلوغ وهو من الروف المتصفة ما لم يركب مع آخر مثله، وقيل: إنه ظرف والمفعول به محذوف وهو ما أراده أو نحوه، وهذا السدان فيه يقرب من عرض تسعين من جهة الشمال وهو المراد بآخر الجربياء في كتاب حزقيال عليه السلام، وقد ذكر بعض أحبار اليهود أن يأجود ومأجوج في منتهى الشمال حيث لا يستطيع أحد غيرهم السكنى فيه وهم في زاوية من ذلك لكنهم لم يتحقق عندهم أنهم فيما يلي المشرق من الشمال أو فيما يلي المغرب منه، وهذا موافق لما ذكرناه في موضع السدين وهو الذي مال إليه كاتب جلبي، وقيل: هما جبلًا أرمينية وأذربيجان ونسب ذلك إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وإليه يميل صنيع البيضاوي.